الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ} نزلناه مفرقًا منجمًا. وقيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله: ويومًا شهدناه، وقرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة. {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} على مهل وتؤدة فإنه أيسر للحفظ وأعون في الفهم وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. {ونزلناه تَنْزِيلًا} على حسب الحوادث.{قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالًا وامتناعكم عنه لا يورثه نقصًا وقوله: {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} تعليل له أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة، وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب، ويجوز أن يكون تعليلًا ل {قُلْ} على سبيل التسلية كأنه قيل: تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم. {إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ} القرآن. {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} يسقطون على وجوههم تعظيمًا لأمر الله أو شكرًا لإِنجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل وإنزال القرآن عليه.{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا} عن خلف الموعد. {إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولًا} إنه كان وعده كائنًا لا محالة.{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند إنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله، وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد، واللام فيه لاختصاص الخرور به. {وَيَزِيدُهُمْ} سماع القرآن {خُشُوعًا} كما يزيدهم علمًا ويقينًا بالله.{قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول: يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهًا آخر. أو قالت اليهود: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجود لقوله: {أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الحسنى} والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في {أَيّا} عوض عن المضاف إليه، و{مَا} صلة لتأكيد ما في {أَيّا} من الإِبهام، والضمير في {فَلَهُ} للمسمى لأن التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام {أَيّا مَّا تَدْعُواْ} فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام. {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها. {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين. {وابتغ بَيْنَ ذلك} بين الجهر والمخافتة. {سَبِيلًا} وسطًا فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب. روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع قليلًا وعمر أن يخفض قليلًا. وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلًا بالإِخفات نهارًا والجهر ليلًا.{وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ في الملك} في الألوهية. {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ الذل} ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفي عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارًا واضطرارًا، وما يعاونه ويقويه، ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإِيجاد، المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة، أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله: {وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا} وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك.روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية، وعنه عليه السلام: «من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين، كان له قنطار في الجنة» والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. اهـ.
|